مبتكر علم الإيقاعات الشعرية

مبتكر علم الإيقاعات الشعرية

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

يَسُرُّنِي أَنْ أُرَحِّبَ بِكُلِّ زُوَّارِ مُدَوَّنَتِيَ الخَاصَّة بِعِلْمِ العَرُوضِ وَالقَوَافِي وَالإيْقَاعَاتِ الشِّعْرِيَّةِ. وَكُلُّ عَامٍ وَأَنْتُمْ بِخَيْرٍ.

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

مقدمة كتاب "استنباط علم الإيقاع الشعري من علم العَروض"

مقدمة المؤلف
لا شكَّ أَنَّ عالِمَنا الجليل الخليل بن أحمد الفراهيدي قد استطاع أن يثبت علمياً أنَّ القرآن الكريم ليس بشعرٍ، ولا يجري مجرى أعَارِيضِهِ وأضْرُبِهِ. كما قال سبحانه وتعالى نافياً عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قولَ الشِّعْرِ، بقوله: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ، إِنْ هُوَ إَلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِيْنٌ صدق الله العظيم (يس: 69).
          لقد وفَّقني الله سبحانه وتعالى أن استنبط علماً من علم العروض أسميته "علمُ الإيقاعِ الشِّعريِّ". وَتَعْرِيْفُ الإِيْقَاعِ عِنْدِي هُوَ تَبَادُلِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ فِي الْبَيْتِ الْوَاحِدِ بِتَرْتِيْبٍ مُعَيِّنٍ، مِثْل:
تَتَتَنْ تَتَنْ تَتَتَنْ تَتَنْ تَتَتَنْ تَتَنْ       تَتَتَنْ تَتَنْ تَتَتَنْ تَتَنْ تَتَتَنْ تَتَنْ
فَالمِثَالُ السَّابِقُ يتكَوَّنُ مِنْ وُحْدَاتٍ صَوْتِيَّة، نَجِدُ فِيْهِ كُلَّ وُحْدَةٍ صَوْتِيَّةٍ تَنْتَهِي بِسُكُونٍ وَتَبْدَأُ بِثَلاثِ حَرَكَاتٍ (تَتَتَنْ) أَوْ حَرَكَتَيْنِ (تَتَنْ). وَمَقَاطِعُ الشِّعْرِ الصَّوْتِيَّةُ تَتَكَوَّنُ أَيْضَاً مِنْ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ (تَنْ)، وَأَرْبَعِ حَرَكَاتٍ وَسُكُونٍ (تَتَتَتَنْ)، كَمَا فِي بَحْرِ الرَّجَزِ.
يَسْتَطِيْعُ الْمَرْءُ أَنْ يُوَقِّعَ بِرِجْلِهِ أَوْ بِكَفِّهِ، أَوْ بِالنَّقْرِ بِإِصْبُعِهِ عَلَى أَيِّ شَئٍ لِضَبْطِ إِيْقَاعِ الْبَيْتِ. لا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةٍ الْكِتَابَةِ الْعَرُوضِيَّةِ (الصَّوْتِيَّةِ) الَّتِي تُعِيْنُ عَلَى الضَّبْطِ الإِيْقَاعِيِّ، يَجِبُ ألاَّ نَنْسَى أَنَّ قَانُونَ الْكِتَابَةِ الْعَرُوضِيَّةِ (الصَّوتِيَّة) هُوَ:
﴿مَا يُنْطَقُ يُكْتَبُ، وَمَا لا يُنْطَقُ لا يُكْتَبُ
لَقَدْ كَانَ هَذَا الْبَحْثُ وَلِيْدَ فِكْرَةٍ مُذْ كُنْتُ طَالِبَاً مُنْتَسِبَاً فِي كُلِّيَةِ الآدَابِ، قِسْمِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، بجَامِعَةِ الْقَاهِرَةِ، فَرْعِ الْخُرْطُومِ، عَام 1982م، وَنُفِّذَتْ عَام 1984م، بِبَحْثٍ بِعُنْوَانِ "إِيْقَاعَاتُ شَوْقِي عَلَى النِّيْلِ الْعَظِيْمِ"، الَّتِي شَرُفْتُ بِتَقْدِيْمِ جُزْءٍ مِنْهُ فِي الْقَاعَةِ الصُّغْرَى (قَاعَة الشَّارِقَة) بِجَامِعَةِ الْخُرْطُومِ، فِي نَدْوَةِ الْعَلاَّمَةِ عَبْدِ اللهِ الطَّيِّبِ، بِمُنَاسَبَةِ مُرُورِ مَائَةِ عَامٍ عَلَى وَفَاةِ الشَّاعِرِ الْعَظِيْمِ أَحْمَد شَوْقِي، فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ الْمُوَافِق التَّاسِعِ وَالْعَشْرِيْنَ مِنْ شَهْرِ أُكْتُوبَرَ عَامِ أَلْفَيْنِ وَسَبْعَة. كَمَا شَارَكْتُ فِي نَدْوَةِ الْعَلاَّمَةِ عَبْدِ اللهِ الطَّيِّبِ، بِوَرَقَةٍ بِعُنْوَان "إِيْقَاعَاتُ التِّجَانِي يُوسُف بَشِيْر عَلَى بَحْرِ الْخَفِيْفِ الأَوَّلِ"، بِمُنَاسَبَةِ مُرُورِ خَمْسَةٍ وَسَبْعِيْنَ عَامَاً عَلَى وَفَاةِ شَاعِرِنَا الْعَظِيْمِ "التِّجَانِي يُوسُف بَشِيْر"، فِي قَاعَة الشَارِقَة الْكُبْرَى بِجَامِعَةِ الْخُرْطُوم، بِتَأرِيخ السَّادِسِ وَالْعِشْرِيْنَ مِنْ شَهْرِ نُوفَمْبِر عَام أَلْفَيْنِ وَسَبْعَة. وَبِوَرَقَةٍ أُخْرَى في إطار ندوةِ العَلاَّمَة نَصْفِ الشَهْرِيَّة، بِقَاعَة الْعُلُوم الإِدَارِيَّة، بِجَامِعَةِ الْخُرْطُومِ، بِعُنْوَان "بَحْرُ الْكَامِلِ الأَوَّلِ بَيْنَ التَّنْظِيْرِ وَالتَّطْبِيْقِ الْحَاسُوبِيِّ".
لَقَدْ كَانَتْ نَظْرَتِي لِلْعَرُوضِ نَظْرَةً رِيَاضِيَّةً، حَيْثُ إِنَّنِي اسْتَفَدْتُ مِنْ عِلْمِ الاحْتِمَالاتِ فِي اسْتِنْبَاطِ عِلْمِ الإِيْقَاعِ الشِّعْرِيِّ مِنْ عِلْمِ الْعَرُوضِ. ثُمَّ فَكَّرْتُ فِي الآلِيَّةِ الَّتِي تُعِيْنُنِي عَلَى تَنْفِيْذِ هَذَا الْعَمَلِ الْكَبِيْرِ، فَاسْتَعَنْتُ بِالْحَاسُوبِ، وَكَانَ لِي خَيْرَ مُعِيْنٍ. قَدَّمْتُ مُحَاضَرَةً فِي حَوْسَبَةِ عِلْمِ الْعَرُوضِ بِاسْتِخْدَامِ الْجَدَاوِلِ الإِلَكْتُرُونِيَّةِ عَلَى نُظُمِ التَّشْغِيْلِ الْمُخْتَلِفَةِ (مَاكِنْتُوش، وِنْدُوز، لِيْنِكِس)، فِي الْمُنْتَدَى الثَّقَافِي بالقَاعَةِ الْكُبْرَى، بِجَامِعَةِ السُّودَانِ الْمَفْتُوحَةِ، بتأريخ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِيْنَ مِنَ شَهْرِ يَنَايِرِ مِنْ هَذَا الْعَام (2010م)، اسْتَطَعْتُ فِيْهَا أَنْ أُثْبِتَ عِلْمِيَّاً عَبْقَرِيَّةَ الْعَالِمِ الْجَلِيْلِ الْخَلِيْلِ بن أَحْمَدَ الْفَرَاهِيْدِيِّ فِي وَضْعِ عِلْمِ الْعَرُوضِ، وَذَلِكَ بِتَطْبِيْقِ النَّمُوذَجِ الَّذِي وَضَعَهُ الْخَلِيْلُ عَلَى إِيْقَاعَاتِ بَحْرِ الطَّوِيْلِ بِأَضْرُبِهِ الثَّلاَثَة على الْجَدَاوِلِ الإِلَكْتُرُونِيَّةِ، كَتَبَ عَنْهَا الأُسْتَاذُ مَحَمَّدُ الْفَاتِحِ يُوسُفُ أَبُوعَاقِلَة، بِصَحِيْفَةِ الصِّحَافَةِ، بِتَأرِيخ السَّادِسِ وَالْعِشْرِيْنَ مِنْ شَهْرِ فَبْرَايِر مِنْ هَذَا الْعَام، الْمُوَافِقِ الْجُمُعَةِ الثَّانِي عَشَر مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ عام 1431هـ. كَمَا شَارَكْتُ فِي نَدْوَةِ "اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ وَتَحَدِّيَاتُ الْعَوْلَمِةِ"  الَّتِي نَظَّمَهَا مَعْهَدُ العلاَّمة عَبْدِ اللهِ الطَّيِبِ لِلُّغَةِ الْعَرَبِيْةِ بِالتَّعَاوُنِ مَعَ مُنْتَدَى النَّهْضَةِ وَالتَّوَاصُلِ الْحَضَارِيِّ بِقَاعَةِ الشَّارِقَةِ الْكُبْرَى، بِوَرَقَةٍ بِعُنْوَان "صِنَاعَةُ بَرْمَجِيَّاتِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي عَصْرِ الْعَوْلَمَةِ، الْعَرُوضُ نَمُوذَجَاً"، بِتَأرِيخ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِيْنَ مِنْ شَهْرِ يُونْيُو هَذَا الْعَام، كَتَبَتْ عَنْهَا الصحفِيَّة الأَسَتَاذَة أُمَيْمَة مُحَمَّد عُثْمَان، بِصَحِيْفَةِ الرَّائِد، بِتَأرِيخ الْخَمِيْسِ الأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ يُولْيُو مِنْ هَذَا الْعَام. وَالْجَدِيْرُ بِالذِّكْرِ أَنَّ أُخْتَنَا أُمَيْمَةَ قَدِ أَجْرَتْ مَعِي حِوَارَاً طَوِيْلاً عَنِ عِلْمَيِ الْعَرُوضِ وَالإِيْقَاعَاتِ الشِّعْرِيَّة، نَشَرَتْهُ بِالْمَلَفِّ الثَّقَافِي لِصَحِيْفَةِ الرَّائِدِ "تَعْرِيْشَة" بتأريخ الْعِشْرِيْنَ مِنْ شَهْرِ يُولْيُو مِنْ هَذَا الْعَام، فَلَهَا الشُّكْرُ كُلُّهُ.
قَسَّمْتُ هَذَا الْكِتَابَ إِلى بَابَيْنِ، وَعَقَدْتُ لِكُلِّ بَابٍ عَدَدَاً مِنَ الْفُصُولِ:
الْبَابُ الأَوَّلُ:
          مَهَّدْتُ لَهُ بِكَلِمَةٍ عَنِ مُصْطَلَحِ الإيْقَاعِ لُغَوِيَّاً وَاصْطِلاحِيَّاً. ثُمَّ ضَرَبْتُ لِلإيْقَاعِ مَثَلاً مِنَ مُعَلَّقَةِ لَبِيْدِ بْنِ رَبِيْعَةَ الْعَامِرِيِّ، وَآخَرَ مِنْ رَائِعَةِ أَمِيْرِ الشُّعَرَاءِ أَحْمَد شَوْقِي "أَيُّهَا النِّيْل"، الَّتِي كَانَتْ مُلْهِمَتِي لاكْتِشَافِ عِلْمِ الإِيْقَاعِ الشِّعْرِيِّ، وَذَلِكَ باسْتِنْبَاطِ قَانُونَيِ الْكَمَالِي لِلإِيْقَاعَاتِ الشِّعْرِيَّةِ. تَحَدَّثْتُ فِي الْفَصْلِ الأَوَّلِ عَنْ طَرِيْقَةِ حِسَابِ عَدَدِ الإِيْقَاعَاتِ الشِّعْرِيَّة (قَانُونُ الْكَمَالِيّ الأَوَّلُ) لِبَحْرِ الْكَامِلِ الأَوَّلِ. وَأَوْرَدْتُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي رَائِعَةَ أَمِيْرِ الشُّعَرَاءِ كَامِلَةً. وَحَلَّلْتُ فِي الفَصْلِ الثَّالِثِ تِلْكَ الْقَصِيْدَةَ تَحْلِيْلاً عَرُوضِيَّاً، وَقُمْتُ فِيْهِ أَيْضَاً بِتَطْبِيْقِ قَانُونِ الْكَمَالِيِّ الثَّانِي، تَمْهِيْدَاً لإِقَامَةِ الفَصْلِ الرَّابِعِ عنِ التَّحْلِيْلِ الإِيْقَاعِيِّ لِقَصِيْدَةِ "أَيُّهَا النِّيْل". وَضَرَبْتُ - فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ - لِكُلِّ إِيْقَاعٍ مِنْ إِيْقَاعَاتِ بَحْرِ الْكَامِلِ مِثَالاً وَاحِدَاً مِنْ شِعْرِ أِبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي، عَدَا إيقاعاتِ أَبْيَاتٍ مِنْ قَصِيْدَةِ النِّيْلِ لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا الْمُتَنَبِّي. وَخَتَمْتُ الْبَابَ بِفَصْلٍ لِنَمَاذِجَ مِنْ قَصَائِدِ بَحْرِ الْكَامِلِ الأَوَّلِ. فَهَذَا هُوَ مِنْهَاجِي الَّذِي سَأَتَّبِعُهُ فِي كُلِّ مُؤَلَّفَاتِي بِإِذْنِ اللهِ.
الْبَابُ الثَّانِي:
تَحَدَّثْتُ فِي الْفَصْلِ الأَوَّلِ عَنْ طَرِيْقَةِ حِسَابِ عَدَدِ الإِيْقَاعَاتِ الشِّعْرِيَّة (قَانُونُ الْكَمَالِيّ الأَوَّلُ) لِبَحْرِ الْوَافِرِ الأَوَّلِ. وَأَوْرَدْتُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي قَصِيْدَةَ أَبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي "مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ الْمَلامِ" كَامِلَةً. وَحَلَّلْتُ فِي الفَصْلِ الثَّالِثِ تِلْكَ الْقَصِيْدَةَ تَحْلِيْلاً عَرُوضِيَّاً، وَقُمْتُ فِيْهِ أَيْضَاً بِتَطْبِيْقِ قَانُونِ الْكَمَالِيِّ الثَّانِي، تَمْهِيْدَاً لإِقَامَةِ الفَصْلِ الرَّابِعِ عنِ التَّحْلِيْلِ الإِيْقَاعِيِّ لِقَصِيْدَتِهِ فِي وَصْفِ الْحُمَّى. ثُمَّ أَوْرَدْتُ فِي الفَصْلِ الْخَامِسِ قَصِيْدَةَ جَرِيْر "أَرَاحَ الْحَيُّ مِنْ إِرَمِ الطِّرَادِ" كَامِلَةً، وَقُمْتُ بِتَحْلِيْلِهَا تَحْلِيْلاً عَرُوضِيَّاً فِي الفَصْلِ السَّادِسِ، وَفِي الفَصْلِ السَّابِعِ أَقَمْتُ إِيْقَاعَاتِهَا. وَضَرَبْتُ فِي الفَصْلِ الثَّامِنِ لِكُلِّ إِيْقَاعٍ مِنْ إِيْقَاعَاتِ بَحْرِ الْوَافِرِ الأَوَّلِ مِثَالاً وَاحِدَاً مِنْ قَصِيْدَةِ أِبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي "مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ الْمَلامِ". وَخَتَمْتُ الْبَابَ بِفَصْلٍ لِنَمَاذِجَ مِنْ قَصَائِدِ بَحْرِ الْوَافِرِ الأَوَّلِ.ثُمَّ أَتْبَعْتُ الْبَابَيْنِ بِمُلْحَقَاتٍ عَمَّا نُشِرَ فِي الصُّحُفِ السُّودَانِيَّة وَمَلاحِقَ أُخَرَ.


المؤلف محمد هاشم أحمد الكمالي
 الخرطوم في الأربعاء الأوَّل من رمضان 1431هـ الموافق 11 أغسطس 2010م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق